Thursday 20 December 2012

Abdul Malek Ibn Zohor Al-Andalusi


Abdul Malek Ibn Zohor Al-Andalusi

By:

Abdul Nasser Kaadan, MD, PhD
Mohammad Bassel Soffo



عبد الملك بن أبي العلاء بن زهر الأندلسي

إعداد

الدكتور عبد الناصركعدان*

الدكتور محمد باسل صفو **

مخطط البحث
مقدمة .......................................................................................................      1

بنو زهر  .......................................................................................................      2

البيئة السياسية في تلك الحقبة من الزمن  ...........................................................       3

ابن زهر ...................................................................................................       5
تلاميذ ابن زهر   ............................................................................................        6
ما قيل في ابن زهر..........................................................................................        7
أسباب تميّز ابن زهر و منهجه العلمي والأدبي .....................................................        8
صحة اعتقاد وإيمان ابن زهر  ........................................................................        9
اعتقال ابن زهر   ............................................................................................        10

مؤلفات ابن زهر و آثاره ...................................................................................       14

كتاب التيسير في المداواة والتدبير وأهميته  .........................................................       15

علم ابن زهر وتجربته .......................................................................................      20

بعض ما روي عن خبرته وفراسته  ......................................................................      26
أخلاقه الطبية  ..................................................................................................      27
الجانب الصيدلاني وأعمال اليد في حياته  ..............................................................      28
وفاة ابن زهر بمرض يسمى " االنغلة "  ...............................................................       29
ما يبقى من ابن زهر   ........................................................................................       31
الخلاصة  ........................................................................................................        33





مقدمة
إن أمتنا العربية قد أعطت العالم في العصور السالفة الشيء الكثير , وحملت المشعل الوضاء ردحاً طويلاً من الزمن . فبعد أن تمكنت من استيعاب المعارف التي وصلت إليها الأمم الأخرى من قبل, وتمثلتها تمثلاً صحيحاً , اندفعت في رحاب المعرفة تكشف وتبدع , وتضيف وتغني زادها, من ذهن صاف, ونظرة صادقة, وحس سليم, وميل فطري إلى المؤالفة بين القول والفعل, والمواءمة بين التصور والتجريب, والجمع بين التجريد والتطبيق ،  ولقد برع العلماء العرب في شتى مجالات العلوم ،ولاسيما في العصر الذهبي للحضارة العربية الإسلامية ،وكان للطب مكانة عظيمة بين تلك العلوم ،وذلك لشرف ونبل هذه الصنعة التي تأتي من شرف مادتها ألا وهي جسم الإنسان وصحته.
وقد برز العديد من الأطباء في تلك الحقبة من الزمن ،ومن الأطباء الذين كان لهم الأثر الكبير في الطب ،الطبيب أبو مروان عبد الملك بن أبي العلاء بن زهر الذي وضع العديد من المؤلّفات ،ومن أهمّها كتاب التيسير في المداواة والتدبير.
لقد تحمّل الأطباء  العرب مسؤولية كبيرة  تجاه  الإنسانية ،وأمام الله تعالى فحملوا الأمانة وأدّوها حقّ تأدية ، ويجب علينا –نحن- اليوم أن نكون أوفياء لهؤلاء العظماء ،فننفض الغبار عن تراثنا العظيم ،ونحييه بعد أن طوته السنون، والغزوات العاتية التي عصفت ببلادنا العربية , وصنوف الاحتلال،ومن الواجب علينا أيضاً أن نعمل على أن يبقى هذا التراث برّاقاً في سماء الحضارة والإنسانية.




 

بنو زهر 

يتصل نسب بني زهر بإياد بن نزار بن معد بن عدنان , وزهر هو الجد الأعلى الإسلامي للفرع الأندلسي من قبيلة إياد , وكان من أبناء القرن الثالث الهجري . ومنه تفرع أبناء زهر .
اشتهرت هذه الأسرة بنبوغ أفرادها في الفقه والعلم والأدب والسياسة , فكان منهم الفقهاء والأطباء والشعراء والوزراء , وقد تميز من هذه الأسرة ستة أطباء , تعاقبوا في التربع على عرش الطب العربي في مغرب الدولة الإسلامية , من أوائل القرن الأحادي عشر الميلادي حتى أواخر القرن الثالث عشر . وإن الباحث ليذهله ما اتصفت فيه أسرة زهر من شدة التعلق بمهنة الطب , ويتعذر عليه الاهتداء إلى أية أسرة عربية أخرى نبغ فيها هذا العدد المتلاحق من مشاهير الأطباء .
يعد أبو مروان عبد الملك بن أبي العلاء زهر بن أبي مروان عبد الملك بن محمد ابن زهر الإيادي واسطة العقد في أسرة أندلسية توارثت أبـاً عن جد علم الطب وحملت لواءه في الغرب الإسلامي من القرن الخامس إلى السابع الهجري .
فقد كان والده أبو العلاء زهر ابن زهر طبيبـاً مبرّزاً في علمه ماهراً في التشخيص والعلاج ، وكان جده وسميه أبو مروان عبد الملك بن محمد ابن زهر حاذقـاً في علم الطب ، وكان ممن أسهموا في ربط الصلات العلمية بين مشرق العالم الإسلامي ومغربه ، ذلك أنه تعلم الطب في مصر والقيروان وأقام فيهما مدة ، ولا يبعد أن يكون قد زار العراق في رحلته المشرقية ، ثم حمل علمه إلى الأندلس حيث نال الشهرة والجاه وانتفع به الناس .
أما الأطباء الستة من بني زهر الذين وردت أسماؤهم في تاريخ الطب العربي فهم :
1-        أبو مروان عبد الملك بن أبي بكر بن زهر.
2-        أبو العلاء زهر بن أبي مروان بن زهر .
3-        أبو مروان عبد الملك بن أبي العلاء بن زهر .
4-        الحفيد أبو بكر محمد بن أبي مروان بن زهر.
5-        أبو محمد عبد الله ابن الحفيد أبي بكر بن زهر .
6-        أبو العلاء محمد بن أبي محمد بن زهر.
و هكذا نجد أنّ أبا مروان خلّف ابنـاً هو أبو بكر محمد الذي عرف بالحفيد ، ورث سرّ أبيه وجال في ميدان الطب معاناةً وتأليفـاً كسلفه كما برع في نظم الشعر ولا سيما الموشح ، وأنجب أبو بكر ابنـاً هو أبو محمد عبد الله ورث هو وأخت له تكنى أم عمرو سر صناعة الطب عن أبيهما وأجدادهما ، وكانت هذه السيدة متخصصة في القبالة وعلل النساء هي وابنتها ، وماتت هي وشقيقها أبو محمد بسمّ دسه لهما في الطعام بعض الحاسدين الحانقين ، وخلف أبو محمد – الذي فارق الحياة وهو في غضارة الشباب – ولدين نشأا في إشبيلية – أحدهما هو أبو العلاء ، سمي باسم جده الأعلى ، وعني بصناعة الطب وبمطالعة كتبها ، لكن أخباره وأخبار أخيه غابت عنا وضاعت في متاهات الزمن ، وأُسدل الستار على هذه الأسرة النبيلة في النصف الثاني من القرن السابع الهجري .
ومما تميز به الأطباء من بني زهر أنهم لم يؤلفوا بغير الطب . فلم يُروَ عن أي منهم أنه ألّف في الفلسفة أو الرياضيات أو الفقه أو الأدب , ما عدا الطبيب الرابع وهو أبو بكر الحفيد فإنه إلى جانب اشتغاله بالطب , اشتغل بالفقه واللغة والأدب , وكان شاعراً رقيقاً نال شهرة واسعة في نظم الموشحات التي تعد من أرقى الموشحات الأندلسية .

 

البيئة السياسية في تلك الحقبة من الزمن  

لم تعرف السنة التي ولد فيها الطبيب الاندلسي "  أبو مروان عبد الملك بن زهر" .وسواء أكان مولده سنة 464 هـ (1072م ) أو سنة 487 هـ (1094 ) , فإن الفترة سبقت مولده , وكذلك عقود السنين السبعة أو التسعة التي تمتع فيها بالحياة حتى سنة وفاته المؤكدة 557 هـ ( 1162 م ) , ومثلها الفترة التي تلت , كانت كلها من أصعب ما مر بالأندلس , وأخطره، فرقةً وتوحداً , انكساراً وانتصاراً ... وذلك إلى يوم غربت شمس الإسلام من سماء الأندلس العربية .
فبعد سقوط الخلافة الأموية في قرطبة سنة 400 هـ ( 1009 م ) , تمزقت البلاد إلى دويلات متخاذلة متنابذة , يحكم كلا منها أمير ينازع الأمراء المجاورين ويطمع في ملكهم بقدر ما يعمل منافسون له , في الداخل , على انتزاع ملكه من يديه , ومنهم من لم يتورع عن الاستعانة بملوك الأسبان الأعداء الألداء , على أبناء قومه وملته , إلى أن سقطت طليطلة العربية , عاصمة أحدى هذه الدويلات , وقد كان يملكها " بنو ذو النون " , بيد      " أدفونش " ( ألفونس السادس ملك قشتالة ) , سنة 478 هـ ( 1085 م ) .
في ذلك الحين كانت قد نهضت , في العدوة المغربية , دولة جديدة فتية هي " دولة المرابطين " , أسسها ويرأسها زعيم موهوب وقائد بارع هو " يوسف ابن تاشفين " , فاندفع إليه أهل الأندلس وعلماؤها ينشدون عونه على أعدائهم الطامعين أكثر من اندفاع حكامهم إليه , وسرعان ما عبرت الجيوش المرابطية , المجاهدة , مضيق جبل طارق , ثم انضمت إليها الجيوش الأندلسية , لتخوض جميعا , تحت راية واحدة , " معركة الزلاقة " سنة 479 هـ ( 1086 م ) التي تعد من أورع معارك العروبة والإسلام .
وقد كان من شأن هذا الانتصار العظيم أن وحد العدوتين , المغربية والأندلسية , في ظل زعامة السلطان المرابطي تاشفين ( حكمه من 463- 500 هـ ) , الذي قضى على ملوك الطوائف جميعاً . وأضحت الأندلس ولاية مغربية تخضع لحكومة مراكش , بعد أن كانت المغرب , قبل ذلك بنحو نصف قرن فقط , ولاية أندلسية تخضع لخلافة قرطبة الأموية .
خلف ابن تاشفين , بعد وفاته , ابنه " علي بن يوسف " الذي اندلعت في عهده الطويل , ثورة قرطبة ( سنة 515 هـ ) , كما ظهرت في العدوة المغربية , دعوة إسلامية أخذ ينادي بها " ابن تومرت " , استفحل أمرها حتى تمكن " عبد المؤمن بن علي " من تقويض أركان الدولة وأقام على أنقاضها دولة قوية أخرى هي " دولة الموحدين " , نشأت في  المغرب وامتد سلطانها إلى الأندلس سنة 542 هـ . وكان عبد المؤمن , أيضاً , زعيماً موهوباً وقائداً بارعاً . وحقق واحد من أبنائه , هو حفيده " يعقوب المنصور " , نصراً مؤزراً على الأسبان في معركة شهيرة سميت " يوم الأرك " سنة 591 هـ ( 1195 م ).
ومما تجدر ملاحظته أنه بالرغم من اضطراب أحوال الأندلس في أيام دول الطوائف , واعتداءات الأسبان المتفاقمة , والثورات الداخلية والقلاقل والتغيّرات السياسية , فإن الأندلس ظلت البيئة المواتية لأن ينبغ فيها كثير من الشعراء والعلماء والفلاسفة , في ظل دول الطوائف والمرابطين والموحدين ,وكان من أبرزهم ابن زيدون وابن عمار وابن قزمان ( في الزجل الأندلسي ) وابن باجة وابن البكري وابن حزم وابن حيان وابن طفيل وابن رشد...وكان من هؤلاء " بنو زهر "

 

ابن زهر ( ـــ ،557هـ)

الطبيب العربي الأندلسي , أبو مروان عبد الملك بن أبي العلاء زهر بن زهر الإيادي المولود في إشبيلية , والمتوَفَّى فيها سنة 557 هـ , ولا خلاف بين المؤرخين في سنة وفاته , ولكن التاريخ الحقيقي لمولده لا يزال مجهولاً . وقد وضع الباحثون المحدثون الذين عُنوا بدراسة مؤلفات ابن زهر تاريخاً تقريباً لمولده خلال السنة                      ( 484 هـ -487 هـ ) .
نشأ " عبد الملك بن زهر " في بيت يُظِلّه العلم والأدب وهو يرفل بالعز والجاه  العريض . فأبوه " أبو العلاء زهر " يمارس صناعة الطب حاذقاً فيها , فيطير صيته إلى بلاد الأندلس والمغرب , وكذلك جدّه وسميه " عبد الملك " , وقد طبَّبَا كلاهما الملوك والأمراء , وتبوأا منصب الوزارة فكان أن ترعرع الابن عبد الملك , في أحضان والده وأستاذه في الطب أبي العلاء ، وأخذ سائر العلوم عن أكابر مشايخ عصره ، ومنهم أبو محمد عبد الرحمن بن محمد ابن  عتاب (520هـ) الذي كانت الرحلة في وقته إليه, لعُلُوِّ سنده وسعة روايته وتضلّعه بالحديث والقراءات والتفسير واللغة ، وممن كتب بالإجازة لأبي مروان وأبيه أبي العلاء الأديب البصري اللامع أبو محمد القاسم بن علي الحريري (516هـ/1122م) صاحب " المقامات " و "درة الغوّاص " وغيرهما من التآليف الشهيرة في اللغة والأدب .
وبعد أن تعلم أبو مروان جملة المعارف الشرعية والأدبية واللغوية, وتعمّق في التعاليم, تفرّغ لمهنة الطب مزاولةً وتأليفـاً فطارت شهرته في آفاق الغرب الإسلامي لبراعته في التشخيص والعلاج واعتماده على التجربة والاختبار والملاحظة .
ومع أن " أسرة زهر " قد أنجبت , بعد هذا الابن , ثلاثة أطباء آخرين , وأنجبت طبيبتين اثنتين , في الأجيال الثلاثة التي تعاقبت , اشتهروا وسجل التاريخ أسماءهم بمداد الذهب , إلا أن عبد الملك – الذي تذكره لنا المراجع التاريخية بـ " الإبن " – ومؤلف كتاب التيسير هو أعظم أطباء بني زهر بلا منازع وأبعدهم شهرة وذيوع صيت , فهو بمنزلة الدرة المتألقة , أو هو واسطة العقد في جيد هذه الأسرة الطبية العربية العريقة . حتى أنه إذا ذكرت كتب الطب والتاريخ اسم " ابن زهر " مطلقاً ,انصرف الذهن إليه هو دون أيٍّ من أصوله أو فروعه !
وروى ابن أبي أصبيعة وغيره من المؤرخين أنه خلَف أباه في خدمة ملوك الرابطين الذين دامت دولتهم إلى سنة 542 هـ   ( 1147 م ) , ثم أصبح وزيراً مقرباً من الخليفة أبي محمد عبد المؤمن بن علي, أول الخلفاء الموحدين, الذين تغلبوا على المرابطين , وبسطوا سلطانهم على المغرب والأندلس . ولم تقتصر شهرة أبي مروان على مغرب الدولة الإسلامية بل تجاوزتها إلى أوربا النصرانية , فذاع  صيته في فرنسا وإيطاليا , ولا سيما بعد أن انتقلت إليها الترجمات العبرية واللاتينية لكتابه ( التيسير في المداواة والتدبير ) وهو الكتاب الذي كان يُدرَّس في جامعات أوربا الغربية حتى نهاية القرن السابع عشر .

تلاميذ ابن زهر
من أبرز تلاميذ أبي مروان ابنه أبو بكر الحفيد ، وأبي الحكم عبيد الله بن غلنده . وعلي ابن أسدون الشهير بالمصدوم ، وأبو بكر الزهري .



 ما قيل في ابن زهر
   وقد قيل أن أبا مروان كان أعظم أطباء عصره , واعتبره ابن رشد أعظم طبيب بعد جالينوس . وقال لوكلير : إن ابن زهر لا تجوز مقارنته إلا بابن سينا والرازي , ولا ريب أن ابن زهر جدير بهذا التفوق , لأنه قصَر همّه على الطب دون سواه ,و يقول الدكتور لوسيان لوكلير أيضاً في ( تاريخ الطب العربي ): إن هذا الطبيب- أي أبي مروان- هو ألمع أفراد أسرة بني زهر ، وهو زبدتها وخلاصتها وممثلها لدى عامة مؤرخي الطب عندنا حينما يذكر اسم Abenzoher ابن زهر . 
وأوجز سارتون كل ما قيل في ابن زهر , فقال : " إنه كان أعظم طبيب في العالمين الإسلامي والمسيحي " .
وقد لخص أرنالدز ( R-Arnaldez ) في الطبعة الفرنسية الجديدة لدائرة المعارف الإسلامية آراء الباحثين الغربيين في أبي مروان ابن زهر وما أضافه إلى علم الطب فقال ( إن أبا مروان عمل كأبيه على إبراز قيمة التجربة,  فقادته ملاحظاته إلى بث آراء جديدة ، فقد وصف الأورام التي تحدث في الغشاء الذي يقسم الصدر طولاً du mediastin Tumeur , وهو أول من أشار إلى أورام غشاء القلب(التامور) Labces du pericarde  ,ومن المسائل العامة التي بحثها سحج الأمعاء ، وما يحدث في المري من خدر، وهو أول من أشار بحقن الغذاء عن طريق الشرج أو الحلق (التغذية الصناعية)، ولاحظ ما تسببه المستنقعات والمياه الراكدة من آفات([1]) ، ومما يستحق الذكر بَحثُه في علة الجرب حيث وصف الصؤاب الذي ينقله طفيلي الجرب(Sarcoptes scabiei )، وربما يكون أحمد الطبري قد سبقه إلى ذلك في كتابه (المعالجة البُقراطية)- كما لاحظ جورج سارتون (G.Sarton) في مقدمة تاريخ العلوم-.



أسباب تميّز ابن زهر و منهجه العلمي والأدبي
   إنما حقق أبو مروان هذا التفوق في الطب لثلاثة أسباب رئيسية :
1-        انقطاعه إلى الطب دون غيره من العلوم .
2-        تجرده من قيود التقليد التي تمسك بها سواه من أطباء عصره .
3-        اعتماده على دقة الدراسة السريرية في تشخيص الأمراض ومداواتها .
ومع أنه كان جالينوسي المذهب , إلا أنه كان له شخصيته المستقلة , وتجرأ على الانحراف عن كثير من أساليب التشخيص والمعالجة التي وضعها جالينوس . وقد أهلته شهرته هذه إلى الاستئثار بالكنية ( ابن زهر ) فإذا قيل ( ابن زهر ) دون إتباع هذه الكنية بأي اسم أخر , أو بأية كنية أخرى كان المقصود أبا مروان عبد الملك ابن أبي العلاء زهر بن زهر .
حارب ابن زهر الخرافات والأباطيل , وكافح الدجالين والمنجمين , وكان في زمانه مثال الرجل الذي يحطم قيود التقليد , ويحكّم المنطق في تفكيره , و يعتمد في كل أعماله على أساليب التجربة والقياس . وقد بدا لنا تفكير ابن زهر كله وأسلوبه العلمي في كتابه ( التيسير ) .
كما نلاحظ أن أسلوب ابن زهر أسلوب تعليمي على نمط أساليب الأطباء والكيماويين العرب , ويشعر قارئه بأنه يحضر درساً عملياً حياً يلقيه أستاذ متمكن , يوشّي حديثه ببعض الطرائف , وبشيء من ذكرياته الشخصية .
وقد نجد في أسلوب ابن زهر بعض التجوّز النحوي واللغوي , وقد يتسامح في دلالة ألفاظ تأباها الفصحى , ولكن لعلها كانت شائعة في الأندلس , ونجد في كتابه التيسير من المصطلحات العلمية والمفردات الطبية ما يمكن أن يقدم خدمة في تأليف معجم للمصطلحات الطبية العربية , وإن كانت لغة العلم قد طغت على أسلوب ابن زهر في بعض المواطن من كتابه , فإننا نجد في بعض جوانب من الكتاب أسلوباً أدبياً رائعاً , وذلك حين يسترسل مع ذكرياته وتجاربه , أو حين يقدم وصفة عامة لطبيب, يتخيل أنه ماثل بين يديه , يقول في   ص  266من كتاب التيسير  " فإن منّ الله عليك وعلى عليلك على يديك , فتحلل الورم وارتدع منه , فتعلم أن الذي منحك عظيم " , وينقل قول والده له " سخنت عيني بك " .
ويحدثنا عن رجل متسلط كاد أن يودي به جبروته لولا لطف الله : " وتلقاني على قدم لا قدمه الله لخيرته "  ويقول : " فوجدت الجل قد أخذه الله بقدرته ولطفه , وهو لا يفهم إلا بعسر " .
ومثل هذه العبارات المتقدمة وغيرها كثير , يدلنا على أن ابن زهر كان يمتلك بياناً ناصعاً مشرقاً يمتاز بجزالة اللفظ , وسعة الخيال , ومتانة التراكيب ,هذا حين يتحلل من لغة الطب وما تحتاج إليه هذه المهنة من اصطلاحات وتراكيب , ولعلها نتيجة تمازج اللغات وما درج على ألسنة العاملين في هذه المهنة .

صحة اعتقاد وإيمان ابن زهر
  لا بدّ أن نتطرق إلى الحديث عن إيمانه وصحة معتقده , لدحض الزعم القائل بيهوديته.
إن قارئ كتاب التيسير يجد فيه تفكير الرجل المؤمن , الذي يستعمل العقل ويعتمد على التجربة , ويخضع في كل أعماله إلى معطيات الواقع , ولكن ذلك لا يمنعه من الاستسلام لإرادة الله في لحظة يعجز فيها العقل البشري , وتتقاصر إمكانياته .
ولنستمع إليه يردّ مزاعم من قال : أنه لا يتجاوز أحد من العمر مئة عام وعشرين عاماً : " وقد زعم قوم ممن يدين بتعديل الكواكب أنه لا يتجاوز أحد من العمر مئة عام وعشرين عاماً . وعللوا ذلك بعطايا الكواكب بزعمهم ، ونسوا وبئس ما فعلوا أن الأفلاك والكواكب ، والمادة والصورة ، والزمان والمكان كلها مخلوقات ، وأنه لا شيء ينفع ولا يضر إلا بقضاء وقدر "  وحين استدعاه المتسلط سنقور لدواحس أصابت قدمه , قال : " ومع أني كنت أبغضه لم أقل إلا حقاً , فهم بضربي فقام دفاع الله دون ذلك ولم يزدهم طبهم إلا بطلاناً وشراً ".
وابن زهر لا ينقطع عن ذكر اسم الله جل جلاله في كتاب التيسير حتى إن هذا الكتاب لا تكاد تخلو ورقة منه من ذكر اسمه تعالى . وما أخال ابن زهر وهو الذي رُبِّيَ على إجلال الدين ونشأ نشأة الفقيه الحافظ والمحدث الأديب إلا أنه كان يعمد في إنشائه الطبي إلى ما تعيه حافظته من الآيات الكريمة والأحاديث الشريفة , فيقتبس منها بين آن وآخر ما تشتمل عليه من فصيح الكلم التي تضفي على إنشائه شيئاً كثيراً من البهاء والوضوح والقوة , أولسنا نرجح أن ابن زهر حين يقول في كتابه : " فليس الهضم مما يزعمه من يجهل الصواب , أن كل حرارة تعين على الهضم , فضلوا وأضلوا , وإنما تهضم الأعضاء بالحار الغريزي الطبيعي الذي تفيضه الكبد على الأعضاء , وتقسطه بحسب احتياجات كل عضو , وما خلفه الله له " ؛أنّه يقبس العبارة البليغة " فضلوا وأضلوا " من الحديث الشريف : " إن الله لا يقبض العلم انتزاعاً ينتزعه من صدور الناس , ولكن يقبض العلم بموت العلماء , حتى إذا لم يبق عالم اتخذ الناس رؤساءً جهّالاً ,فَسُئِلوا فأفتَوا بغير علمٍ فضلّوا وأضلّوا " .
ولعل في كل صفحة من صفحات الكتاب التيسير ما يشعرنا أننا مع مؤلف مؤمن بالله سليم المعتقد , يراقب الله في مهنته وأمره كله , وخير ما يعبّر عن نفسه تلك الجمل التي ختم بها كتاب التيسير ([2]) " فإن تكن إصابة فتوفيق الله , وإن يكن تقصير فقد اجتهدت والله شاهدي " .

اعتقال ابن زهر
 دخل أبو مروان في خدمة أمراء الدولة اللمتونية المرابطية, التي استطاعت أن توحد العدوتين الأندلسية والمغربية, وأن تصد الزحف النصراني عن الأندلس .
وكان أبو مروان قد اختص أولاً بالأمير إبراهيم بن أمير المسلمين يوسف ابن تاشفين حينما كان واليـاً على إشبيلية ( عزل عام 516هـ) ، وألف له بعض الكتب .
ويظهر أن أبا مروان لقي أمير المسلمين علي ين يوسف أول مرة في قرطبة كما نفهم من كلامه إذ يقول : " وأذكر أني – وأنا فتى – قد استدعاني الشقيّ علي بن يوسف إلى قرطبة بسبب ورم كان به داخل أذنه "([3]) . ولنا أن نفترض أن هذه المقابلة قد تمت سنة 501 هـ ، وهي السنة التي عبر فيها علي بن يوسف  جبل طارق متوجهـاً إلى الأندلس لتفقد أحوالها بعد توليه إمارة المسلمين ، وكان أبو مروان ما يزال فتى حديث السن وأبوه أبو العلاء على قيد الحياة .
ويظهر أيضـاً أن أبا مروان باشر علاج أمير المسلمين بعد ذلك غير ما مرة كما يفهم من كلامه حيث يقول : " وهذا الوجع – أي الذي يحدثه تمدد غشاء الكبد – كان كثيراً ما يص7يب الشقي عليـاً ، وعالجته منه " ([4]).
وبغتة أصيب أبو مروان وأبوه أبو العلاء بمحنة من النوع الذي كان يصيب جلة الرجال في ذلك الزمان ، فسُجن أبو مروان في مراكش بأمرٍ من علي بن يوسف لأسباب ما تزال غامضة .
وقد أشار ابن عبد الملك المراكشي في كتابه " الذيل والتكملة " إلى هذه المحنة التي ابتلي بها أبو مروان ، بألفاظ غامضة حيث قال : " وأدركته مطالبة عند علي بن يوسف بن تاشفين, كانت سبب اعتقاله بسجن مراكش مدة ... ".
 تجمع المصادر التاريخية أن عبد الملك بن زهر اعتقل, وقضى مدة في سجن مراكش.  والواقع أن المصادر التاريخية لم تفصح لنا عن الأسباب التي حملت السلطان المرابطي  على بن يوسف بن تاشفين على سجنه , وإن قال " ابن الأبار " عن أبيه " زهر " أنه      " توفي بقرطبة منكوباً ".
 وأما اعتقال الابن عبد الملك , فقد أشار هو نفسه إليه في " التيسير " مرات كثيرة . فقد كان يتوقف وقفات مفعمة بالمرارة والألم ،فقد كان لا يذكر فيه اسم علي بن يوسف إلا مقرونـاً بنعت " الشقي " ، وحينما ألف للخليفة الموحدي عبد المؤمن بن علي        كتاب " الأغذية والأدوية ", أشار في مقدمته إلى طول المحنة التي عاناها ,وهو عار من كتبه , كلما عنّت له ذكرى أيام السجن , كما أنه أشار مرة إلى تجوّله " منفياً في البلاد مع أحد الثوار ! " ([5]) . وقد تبيّنا أيضا , شيئاً من معاناته لدى استئنافه عمله بعد إطلاق سراحه , وقبل أن يقع ذلك " الانقلاب " الذي آل فيه الحكم إلى أيدي " الموحدين " .
كما غمضت علينا أسباب اعتقاله , كذلك جهلنا المدة التي قضاها بين السجناء المعذبين في سجن مراكش أيام تلك الاضطرابات والفتن([6])  .
هذا ويشير أبو مروان نفسه إلى هذه المحنة بعبارات مقتضبة فيقول : " نالني تنكيد شديد بامتحان علي لنا لقولة حقدها على الشيخ أبي – رحمه الله – فأمر فينا بكل وجه من وجوه الانتقام ، ونالني نكد عظيم على غير اعتياد "([7]).
والظاهر من هذا الكلام, أن غضب علي بن يوسف انصب على أبي العلاء بالذات إثر وشاية دفعت بأمير المسلمين إلى النكال بالأب وابنه, والانتقام منهما معـاً .
ولسنا نعلم المدة التي قضاها أبو مروان في سجن مراكش ، فقد كان ما يزال طليقـاً عام 515هـ ، وهو التاريخ الذي ألف فيه كتاب " الاقتصاد في صلاح الأنفس والأجساد " وأهداه للأمير إبراهيم بن يوسف بن تاشفين الذي لم يعزل من منصبه إلا سنة 516 ، كما يذكر ابن عذارى ([8]).
ولقد كان متوقعاً من طبيبنا أن يستفيد وهو في السجن , من مشاهداته , فيضيف إلى معارفه الجمّة تجارب مما يعاين في عالم السجناء . ويقول في حديثه عن الأمراض الوبائية وما يكون من الحميات فيها, والوباء الحادث برداءة الأغذية: إن الوباء يكون  أيضاً عن إفراط المجاعات وإضرار الناس إلى أكل الحبوب الرديئة أو اللحوم الرديئة, وقد شاهدت , وأنا في أسر علي بن يوسف وفي سجنه , قوماً , كانوا في أطباق سجنه المعروف بـ " قرقيدن " , يتطارحون على أعشاب كانت على السقوف ويأكلونها, وأنه مما كان نوعاً مذموماً من أنواع اليتوع وغير ذلك، لألم الجوع . وكان يموت كل يوم منهم عددٌ من عشرة " ([9]) .
والجدير بالذكر أن أبا الحكم ابن غلنده أخذ عنه علم الطب في السجن ، ويخبرنا أبو مروان نفسُه أنه دعي لعلاج رجل من قوم علي بن يوسف اسمه بواذودين من قرابة الأمير سير بن أبي بكر اللمتوني ، كان مسجونـاً وأصيب بقروح في معدته ([10]).
وهكذا نجد أن حاجة علي بن يوسف إلى طبيبنا العليم ظلت قائمة حتى وهو في السجن, فكان البلاط يعرض عليه بعض الخاصة لمعالجتهم , ومن هؤلاء من وصفه ابن زهر بِـ " خطيب الأمير علي" ,إذ كانت  به حصاة وهو في أسباب الهلاك , فأفدته بشرب ثلث واحد من درهم واحد من دهن البلسان , فلم يلبث أن بالها بعد يوم , أو أزيد من يوم . فاستغرب ذلك المعالجون والمختصون به وبالشقي صاحبه ([11])
فسألني حيث ذكر فقلت قد ذكر " ([12]) .

مؤلفات ابن زهر و آثاره

  ألف أبو مروان عبد الملك بن زهر عدداً من الكتب الطبية ، والموجود منها في المكتبات العالمية هو :
1-       " كتاب الاقتصاد في إصلاح الأنفس والأجساد " ، ألفه للأمير المرابطي إبراهيم بن يوسف بن تاشفين ، وثمة مخطوطة منه في المكتبة الوطنية بباريس .
2-       " كتاب التيسير في المداواة والتدبير " ثمة مخطوطة منه في كل من : باريس ، والرباط ، والمكتبة البودلية في اكسفورد ، والمتحف البريطاني بلندن .
3-                " كتاب الأغذية " مخطوطة منه بباريس .
ومن الكتب التي ذكرتها المصادر التاريخية ولم يتم العثور عليها :
4-                " كتاب الزينة " .
5-                " تذكرة في أمر الدواء المسهل " ، كتبها لولده الطبيب أبي بكر محمد الذي سمي فيما بعد بالحفيد .
6-                " مقالة في علل الكلى " .
7-                " رسالة في علتي البرص والبهق " ، كتبها إلى بعض الأطباء بإشبيلية .
8-                " تذكرة في علاج الأمراض " كتبها لولده أبي بكر ([13]).
لكننا نجد أن ابن أبي أصيبعة قد ذكر في كتابه : ( عيون الأنباء في طبقات الأطباء ) لابن زهر سبعة كتب هي :
1-        كتاب التيسير في المداواة والتدبير .
2-        كتاب الأغذية .
3-        كتاب الزينة .
4-        تذكرة في أمر الدواء المسهل .
5-        مقال في علل الكلية .
6-        رسالة في علتي البرص والبهق .
7-        تذكرة .
وأمّا كتاب ( الاقتصاد في أصلاح الأنفس والأجساد ) ([14] فقد ذكره مؤلفون آخرون لم يذكره ابن أبي أصيبعة . ومن هذه الكتب التي ذكرتها المصادر وصل إلينا ثلاثة :
1-        كتاب التيسير في المداواة والتدبير
2-        كتاب الاقتصاد ألّفه للأمير المرابطي إبراهيم بن يوسف بن تاشفين ([15]) .
3-        كتاب الأغذية ([16]) .
أما مؤلفات أبي مروان الأخرى التي لم يذكرها أحد من مؤرخي العلوم وأصحاب التراجم فنثبت أسماؤها فيما يلي :[17]
1-      تفضيل العسل على السكر .
2-      كتاب القانون .

كتاب التيسير في المداواة والتدبير وأهميته
ويعتبر هذا الكتاب أهم مؤلفاته وأبلغها أثراً وتأثيراً , فهو الكتاب – الأم , بين مؤلفاته وبين ما صنفه أطباء عصره في الأندلس . ويكتسب هذا الكتاب أهمية خاصة, تتبدى في النصوص الصغيرة التي وشّاهُ بها أبو مروان , تلك التي تتعلق بمشاهداته وبأطراف من ذكرياته , حلوها ومرِّها , إذ أنها كانت مصدراً لنا يمدنا بما يعيننا في تبين مدى علم الرجل , ويساعدنا في رسم شخصيته الفذّة التي لم تذكر لنا المراجع التاريخية من ملامحها المضيئة إلا نُبَذاً .
صنف ابن زهر , كتابه النفيس هذا , في أوائل عهد الخليفة الموحدي عبد المؤمن بن  علي , الذي بسط سلطانه على الأندلس منذ سنة 542 هـ , ففي خطبة الكتاب أشار غير مرّة إلى شعارات الدولة " الموحديّة " وداعيتها " المهدي ابن تومرت" ([18]) .
ويبدو أن ابن زهر لم يؤلف كتابه هذا إلا بعد أن نضج علمه واكتملت خبرته , ولذا اعتبر أفضل كتبه وأشهرها .
وحسبنا أن نذكر ما قاله الأستاذ الدكتور أحمد شوكت الشطي رحمه الله – وهو العليم بتاريخ الطب العربي – في هذا الكتاب لنتبين أهميته : " يمكن تشبيه كتاب التيسير بكتب المداواة السريرية الموسّعة اليوم التي تعطي لمحة عن المرض وعن علاماته وأسبابه وأعراضه , ثم تتوسع في طرق معالجته . وأكثر الأدوية نفعاً فيها . ويعتمد ابن زهر فيما يرويه على تجاربه , واختبارات أبيه , وعلى ما جمعه من معلومات في  شأنه وهو كتاب جدير بكل إمعان وتقدير , تمحيصه واجب وطبعه مفيد , يستفاد لا من المصطلحات الكثيرة الصحيحة الواردة فيه فحسب , بل ومما فيه من أسباب للأمراض وتعداد لأنواعها وأساليب تشخيصها وإنذارها ومعالجتها , وفي هذا الكتاب تكمن عبقرية ابن زهر العلمية ومتانته اللغوية وأدبه الجم نحو أساتذته وخاصة والده , كما يكشف الكتاب عن معارفه الطبية وخبرته السريرية ومعالجته الدوائية " .
ومما يدل على أهمية هذا الكتاب أنه لم يكد صاحبه ينتهي منه, حتى كثر نساخه وتُرجم إلى العبرية ومنها إلى اللاتينية أكثر من مرة , ثم نُقل من الأصل العربي إلى اللاتينية , فكان له أثر عميق في تطور الطب في القرون الوسطى في الغرب . ويكفي للدلالة على مكانة هذا المؤلَّف العلمية أن ترجمته اللاتينية بقيت أحد الكتب التي تدرس في جامعات أوروبة مثل جامعتي لوفان ومونبيليه حتى القرن الثامن عشر فلا ريب إذاً في أن كتاب التيسير بترجماته العبرية واللاتينية أحدث أعمق الأثر في تطور الطب خلال القرون الوسطى التي كان فيها الطب الأوربي ما يزال عاجزاً عن التحليق بجناحيه .
ويجمع مؤرخو الطب العربي أن كتاب التيسير يعد في مرتبة أعظم الكتب العربية التي عرفت في تاريخ الطب , وأكد المؤرخ الفرنسي لوكلير أن كتاب التيسير لا يقل شأنه عن كتاب الحاوي للرازي , والقانون لابن سينا , وذلك من شأنه أن يجعل ابن زهر في مرتبة هذين الطبيبين اللذين نبغا في مشرق الدولة العربية الإسلامية
وقد ذكر المؤرخون ومنهم ( جورج سارتون ) في كتابه ( المدخل إلى تاريخ العلم ) أن ابن زهر آلف كتاب التيسير بناءً على طلب صديقه ورفيقه الفيلسوف القاضي ابن رشد ( 520- 595 هـ / 1126- 1198 م ) لجعله تفصيلاً لكتاب الكليات في الطب , وهو الكتاب الذي ألَّفه ابن الرشد , ووصف فيه بصورة عامة , ما كان معروفاً عن الأمراض في زمانه . وبما أنه لم يتطرق في كتابه إلى التفاصيل في المعالجة كطبيب سريري ممتهن , فإنه طلب إلى صديقه ابن زهر أن يجعل كتابه مشتملاً على اختباراته ومشاهداته في علمي الأمراض والمداواة ، ونجد أن هذا الأمر هو موضع جدل وخلاف بين المؤرخين, إذ يعتقد البعض أن ابن زهر قد ألّف كتابه هذا بوحي من ذاته وليس بإشارة أو بطلب من أحد . فالكتاب يجمع خلاصة علم الرجل , الذي اكتسبه بالتعلم والممارسة والتجربة . وقد فرغ من تأليفه قبيل وفاته بسنوات معدودات . وما كان يسعه , وهو الطبيب المداوي المعطاء , أن يحبس ما في صدره من العلم الغزير ويمضي به إلى القبر , لو لم يطلب منه أحد أن يودعه في هذا الكتاب  ([19])  . وقد أشار البعض إلى أن " تيسير " ابن زهر سابق زمنياً , في التأليف وفي الظهور , على " كليات " ابن رشد

يتألف كتاب التيسير من سفرين اثنين , ومن ملحق بهما ، يسميه ابن زهر بالجامع , ويبدأ السفر الأول من الكتاب بمقدمة وجيزة , ذكر فيها ابن زهر أنه أَُجبر على إلحاق كتابه بالجامع نزولاً عند رغبة أحد الأمراء ( هو الأمير المرابطي صاحب أشبيلية ) فقد أراد هذا الأمير أن يكون لديه كتاب يشتمل على صيغ الأدوية المركبة التي يستعملها ابن زهر في العلاج . وقد أشار ابن زهر إلى ذلك في مقدمة كتاب التيسير فقال ما يلي : " ولقد دخل حين وضعي له من كان كالموكَّل علي فيه , فلم يُرضِه مني ذلك , وقال : إن الانتفاع به لمن لم يحذق شيئاً من أعمال الطب بعيد , وإنه ليس على ما أمر به , ولا على غرض مما يريد فذيلته حينئذ بجزء منحط الرتبة سميته بالجامع , ألفته مضطراً , وخرجت فيه عن الطريقة المثلى كارهاً، ووضعته بحيث لا يخفى على المريض , ولا على من حول المريض " .
يبدأ ابن زهر أولهما وهو أطول السفرين بفصل قصير في حفظ الصحة (وهو ما يسمى اليوم بالطب الوقائي) , ثم يأخذ بذكر الأمراض وعلاجها فيتحدث فيه مبتدئاً  بأمراض الرأس, ثم أمراض الأذن, فأمراض الأنف, فأمراض اللسان, والأمراض التي تعرض للأسنان فيخصص بحثـاً لعلة اهتزاز الأسنان وبحثـاً آخر لأمراض الأسنان ، كما يتحدث عن أمراض العيون المختلفة بما في ذلك أمراض الجفن ، ثم يتحدث عن أمراض الدماغ والأمراض التابعة لاختلال مزاج الدماغ ، والشقيقة ثم يتحدث عن أمراض الرقبة وانخزال فقار الرقبة ذات اليمين وذات الشمال وأورام الرقبة ، ثم أمراض النخاع وما يعرض له ثم يتحدث عن الذبحة وأورام قصبة الرئة وأمراض المري وما يحدث في الرئة من أمراض بما في ذلك أورام الرئة ثم يتحدث عن السعال وأمراض القلب وما يحدث فيه من خفقان والرطوبة التي تعرض في غشاء القلب ، ثم يخصص بحثـاً لأمراض الكبد وبحثـاً لأمراض الطحال وبحثـاً لليرقان ثم يتحدث حديثـاً موجزاً عن جراحات البطن وأمراض المعدة وأورامها وينهي السفر الأول بذكر أمراض الصدر والجراحات والخروق التي تحدث في الصدر, وذات الجنب والكسر في الصدر مع علاجات كل تلك الأمراض .

وأما السفر الثاني فيبتدئه بالكلام على البطن الأسفل, وما يعرض في الأمعاء من رياح تحتقن فيها, ثم السحج الذي يعرض في الأمعاء, فالحصاة المتولدة في المثانة والكلى وأورامها, وما يحدث في الكلى من أمراض سوء المزاج, وضعف المثانة وخروج البول منها بغير إرادة, ثم يذكر علل المتنين وأورامهما, وسوء مزاجهما واسترخائهما, فالقضيب والأرحام وعللها, وما يعرض في الفروج من أمراض , ثم يتحدث عن الدماميل والحكة والجدري والحصبة والبرص والبهق والبهق الأسود والخيلان والثآليل وأمراض الجلد, ثم يتحدث عن التشنج والاختلاج والرعدة والرعشة, والدوالي وداء الفيل والسرطان ,وأوجاع العضل والمفاصل والنقرس وعرق النسا, والدواحس, والحميات .
وعلى الرغم من أنه يفرد في نهاية كل مرض علاج ذلك المرض ، إلا أنه يذكر في نهاية السفر الثاني مجموعة من الأدوية المركبة تنفع في أمراض شتى, فهو يذكر شرابـاً ينفع الأصحاء ويُبقِي على صحتهم, ومعجونـاً يؤخذ من حدوث العقد في العنق, وشراب ينفع في البحح ... وأخيراً يتحدث عن ترياق الأربع وترياق الثوم والمرهم النخلي .

وهكذا نرى أن التيسير كتاب جلي الترتيب, واضح التنسيق, دقيق العرض, ينقد فيه مؤلفه آراء المتقدمين الخاطئة, مبينـاً رأيه تبيينـاً واضحـاً ومستقلاً, معتمداً على الملاحظة والتجريب . وقد كتب بأسلوب تعليمي, يُشعر قارئه بأنه يسمع أو يحضر درسـاً حيـاً يلقيه أستاذ متمكن, ناصع البيان, واسع الخيال, متين التركيب, بلغة رقيقة, وإن كانت لا تخلو من بعض الكلمات العاميّة التي يمكن أن تكون شائعة في الأندلس وقت تأليف الكتاب.
وما أن ينتهي من تدوين ما أراد تدونيه في كتاب التيسير حتى يبدأ الجامع بقوله : وهذا جزء لمن كان بمعزل عن الطب القياسي , وعن النظر الصناعي , يشتمل على علاجات بأشربة ومعاجين وأدهان , مما يحدث في البدن من الأمراض والأعراض بحول الله.
كل من يستعرض الموضوعات التي عالجها المؤلف في كتاب التيسير يلاحظ أن الكتاب جلي الترتيب , واضح التنسيق , دقيق العرض . ولا شك في أن تأليف ابن زهر مثل هذا الكتاب في تلك الآونة كان عملاً أصيلاً , دعاه إلى إنجازه ابن رشد .
ومُطالع هذا الكتاب اليوم يَعجب باستقلال مؤلفه بآرائه , وبجرأته على نقد الخاطئ من آراء المتقدمين السابقين , لا كما يفعل متطببون آخرون خاضعون لكل قول مأثور , مهما يكن الخطأ فيه واضحاً .
وقد اختتم كتابه – ولنقل : موسوعته – بهذا الختام اللطيف :
" وهذا القانون يصحبك في أعمالك , فلا تعدِلْ عنه إلى سواه , وعوِّلْْْ عليه, وبالله  التوفيق . فقد أقدرك الله على تركيب كل ما تريد تركيبه من شراب ودهن ،وعلّمتك ذلك بلفظ وجيز , ولو سلكت ذكرها , شراباً شراباً ودهناً دهناً , لطال كتابي واستُثْقِلَ قولي ! وإنما كلامي نُبَذٌ تذكّرْتها , وأشياءٌ من علم الطب وقوانينه حفظتها , فأثبَتُّها من غير أن أستظهر على ذلك بكتاب, أو أستعين بديوان , إلا فيما هو مركب قديم, لا يمكن إلا إثباته على ما ذكرته من هذه المعاجن فنقلتها من مواضعها، فإن تكن إصابة , فتوفيق الله  سبحانه , وأن يكن تقصير , فقد اجتهدت , والله شاهدي , وهو سبحانه ينفع بكتابي وبعلمي أمرك وذكرك, بمنّه ولا رب سواه " ([20]) .
فرغ عبد الملك بن زهر من تأليف " التيسير " في منتصف القرن السادس الهجري تقريباً . وكان لابد من أن يَلقى الكتاب القبول والاستحسان اللذين يستحقهما , في حياة مؤلِّفه وبعد وفاته , كما كان متوقعاً أن تتم ترجمته إلى اللغة العبرية , التي كان يهود الأندلس ينقلون إليها أمهات الكتب العلمية العربية.

علم ابن زهر وتجربته

لدى قراءاتك " كتاب التيسير في المداواة والتدبير " يتراءى لك , عبر صفحاته , ذلك الطبيب العالم المتحرّي , الذي يقدم لك علمه وتجربته بتواضع جمّ . وربما استطرد , وهو يشرح لك الأمراض والأعراض والأدوية و المعاجين , فأخذ يحدثك عن ذكرياته الخاصة , وبعدئذ يعود بك إلى موضوعه مع اعتذار منه لطيف ! وتراه يريد للطبيب أن يُخلص في مهنته ويتمسك بالعهد الذي قطعه عل نفسه أمام الله يوم تعلم صناعة الطب , كما يريد للعليل أن يثق بطبيبه , وأن يصغي لنصحه ويأخذ بتوجيهاته , وأن يكون , كذلك , " من أهل الصبر والجَلَد " ([21]) .
ولقد رأى كثيرٌ من الباحثين أن من يقرأ " كتاب التيسير " يتخيل أنه يستمع إلى درس يلقيه عليه أستاذ متمكن قدير ! لنصغِ إلى أبي مروان وهو يشرح لنا " تركيب العين " , حسب تصوره لذلك وتصور أسلافه :
" والعين مركبة من عدة طبقات , أولهما مما يلي القحف كأنها غشاء , ويليها إلى جهة الهواء شبيهة بالمشيمة , وتلي المشيمة شبيهة بالشبكة . وللعين رطوبات أشرفها الجليدية , وهي الآلة للأبصار . وهي بين رطوبتين : فمن جهة القحف الرطوبة الزجاجية , وهي للجليدية كالغذاء لموافقتها لذلك , ومما يلي الهواء الرطوبة البيضية وهي تندى الجليدية وتحيط بها وتحفظها . والمحيط بالرطوبة البيضية يشبه العنبة , لونها أسود فرفري , ويعلوها غشاء محيط يشبه القرن المنحوت مركب من أجزاء كالصفائح , ويحيط به , إلا اليسير منه مما يلي خارج العين , الملتحم وهو لا يعمّ القرنية كلها ... " ([22]) .
ثم انظر إلى دقته وهو يشرح لك طريقة, تستطيع بها إن كنت طبيباً, أن تخلّص مريضك من أوجاع تسببها له حصى في الكلى أو في المثانة .. فإذا ما اشتد الوجع على العليل , لانسداد مجرى المثانة , بسبب اندفاع شيء من الحصى إلى هذا المجرى , يقول ابن زهر :
" رقّد العليل على ظهره ومُرْه أن يهتزّ , لأن كل جسم أرضي ينزل بطبعه إلى جهة الأرض , فإن الحصاة ترسب إلى المثانة . وليفعل ذلك في الحمام ... وأن يبول وهو على ظهره , وأن يغمز بيده غمزاً خفيفاً على موضع المثانة من خارج , فإن العليل يبول على  تلك الحالة وتسكن شدة ألمه جملة " ([23])  .
وقد تحدّث بعض الباحثين الغربيين عن ابتكارات في الطب استحدثها ابن زهر .
يقول المستغرب الفرنسي غبرييل كولان , بحماسة ملحوظة :
" ونجد في آثار ابن زهر , لا نظريات أصيلة فحسب , ولكن نجد أيضاً ابتكارات مستحدثة لم يسبقه إليها أحد , كوصفه للأورام التي تحدث في الغشاء الذي يقسم الصدر  طولاً , أو قرحة الحجاب الحاجز , وهي أمور لم يسبقه إلى وصفها أحد . وكان أول طبيب عربي يُقبل على عملية خزع الرغامى . وقد عرف طريقة التغذية الصنعية عن طريق البلعوم والشرج .
فأما الورم , في ذلك " الغشاء الذي يقسم الصدر طولا " والذي يسمى اليوم " المنصف Mediastin " , فإليك الوصف الذي أبقاه لنا طبيبنا العربي منذ أكثر من ثمانية قرون ... يقول :
" ويحدث في الصدر , في الغشاء الذي يقسمه طولاً, والرئة والقلب منوطة به , أن يرم, وورم هذا العضو يتبعه سعال ملحّ , ووجع يمتد طولاً, واختلاط في الذهن , وحمى حادة . وأما النبض , فإنه يكون منشارياً بذات موضع الورم, ويجد صاحبه تلهّباً وعطشاً شديداً , واستنشاق الهواء البارد يسكّن عطشه أشد مما يسكّنه شرب الماء البارد . وأما التنفس , فيكون صغيراً متواتراً شديد الحرارة .
وفي مثل هذا الورم, الفصد فيه لازم " ([24]) .
وقد يقوم ابن زهر بتجربة , ولكنه لا ينصح الأطباء بها , لأن الأمر كما يراه "عويص في نفسه " , إلا أنه يذكرها لك – التجربة – في ختام بحثه حذراً !
ففي حديثه عما يعرض في الرقبة من الأورام , من " انتفاخ اللهاة " , التي إذا عظُم ورمها لم يُؤمن الاختناق والذبحة , التي تكون في عضل الحنجرة إذا ورمت, وكذلك الأورام في ما يلي الرقبة : في " قصبة الرئة , وفي المري " ... يقدم لك , في حديثه ذاك , كل ما عنده من علاجات , وبعدئذ ينصحك , أنت الطبيب المداوي :
" وأقول لك , في هذا الموضع , قولةً ,اعتمِدْ عليها في هذا وفي سائر أورام باطن البدن: أن تماطل العليل وتدافعه عن النوم , حتى يأخذ الخلط ([25]) في التحلل والارتداع,  واجتهد فيه بتلطف من غير حمل , مثل أن تشغله بالأحاديث المطربة ! " , وشممه رائحة الكافور , فإن ذلك يعينه على قلة نومه وسهره , أو رائحة شجرة الرهبان , مفرقاً في هذا بين حالات يكون فيها العليل شاباً أو كهلاً أو شيخاً , وبين ما إذا كان الفصل صيفاً أو شتاءً ... إلى أن يقول :
" وأني أضربت عما ذكره الأطباء , في علاج " الذبحة المفرطة " , من شق قصبة الرئة شقاً يكون قدره مثل ثقب الأنف الواحد أو دون ذلك غير أني , وقت طلبي , عندما رأيت ما ذكره الناس المتأخرون من ذلك , شققت قصبة عنز , بعد أن قطعت الجلد والغشاء تحته , وقطعت من جوهر القصبة قطعاً باتاً دون قدر الترمسة , ثم التزمت غسل الجرح بالماء والعسل حتى التأم , وأفاق كلية , وعاش مدة طويلة ... " .
ومع نجاح تجربته في ذلك العنز , فإن طبيبنا ينبه : " ولكن هذا الشيء لم يستعمله أحد ممن لحقناه وممن لحقه سلفنا , فهذا لم أذكره بدءاً " ([26]) .
وهنالك عدد من الباحثين أكدوا أن ابن زهر كان أول من وصف طفيلي الجرب , المسمى " صؤابة الجرب " , وذلك في قوله الدقيق الواضح :
" ويحدث في الأبدان , في ظاهرها , شيء يعرفه الناس بالصؤاب , وهو حكة تكون في الجلد , وتخرج – إذا قشر الجلد – من مواضع منه , حيوان صغير جداً يكاد يفوت       الحس " ([27]) .
وفي اهتمام ابن زهر الملحوظ بالأدوية , نراه يوجه إلى الأطباء هذا النصح الغالي ... حيث يقول :
" ولا بد لك أن تنظر بحسب القوة والسن والمزاج , كما قد ذكرت لك فإنه ليس يتحمل من الأدوية الصبي ولا الشيخ الفاني ما يتحمله الشاب أو الكهل , وكذلك ليس يحتمل أهل الدعة والخفض ونعامة الأبدان وأهل الزعر([28]) من الأدوية ما يحتمله القرياتيون ([29]) الذين أبدانهم سمر قحلة ([30])  . والمزاج الطبيعي لأهل الدعة والزعر أرطب من المزاج الطبيعي للقرياتيين أهل الجلد . فتذكر هذا أبداً, ولا تضرب بيدك إلى العلاج حتى تُخطر هذا في نفسك , والله أسأل أن يوضح منهاج الصواب بقدرته " ([31])  .
ولن أدعك , عزيزي القارئ , قبل أن أذكّرك بأن من الغذاء , الذي كان الأولون يرونه نافعا , " الحيات " , على أن تراعي في انتقائها , وفي ذبحها , وفي إعداد الأقراص من لحمها طرقاً خاصة ! فالحيات " تزداد شرهاً كلما بعدت مواطنها عن المياه " ,
ويتابع العالم الدكتور أحمد شوكت الشطي , مؤرخ الطب , في حديثه عن مخطوطة ابن زهر الموسومة بـ " الأغذية " ,فيقول : ويذكر ابن زهر في صدد ذلك خبرته قائلاً : " وأما أنا , مراراً كثيرة أَمَرْتُ من يشكو فساد مزاجه أن يأكل من الأفاعي بيضَها فانتفع بذلك ", وهو قد أطعمها للأمير المرابطي علي بن يوسف فانتفع بها , ثم يشرح ابن زهر طريقة ذبحها الضامنة لعدم تسرب سمومها إلى جسمها  ....    حيث يقول ابن زهر في     " الجامع " , وهو الجزء الذي ألحقه بـ " التيسير " , تحت عنوان:
" صفة عمل أقراص الأفاعي " :
" يؤخذ من الأفاعي المعتدلة القد، الحمر الأعين , السريعة الحركة , الواسعة الرؤوس , التي يتول طرف فكها الأعلى إلى فوق كأنه ثؤلول . تأخذها في فصل الربيع , بعد أن يمضي عليها وهي تخرج من أجحارها نحو عشرين يوماً . ولا تكون أذنابها متلوية, وهي صفة الإناث وهي المستعلمة , فأْمُر بقطع رؤوسها وأذنابها , وقدْرُ ما تقطع من رؤوسها وأذنابها أربع أصابع , تُقطع دفعة واحدة بسكين على هذه الصفة : يوضع عليها, ويضرب , بمرزبة لها معتدل , على ظهر السكين لينقطع طرفاها دفعة . وأجودها ما تحركت حثثها بعد القطع بسرعة ودامت حركتها . تسلخ الأفاعي برفق بعد قطعها , وأْمر بإزالة شحومها ومعاها , ثم توضع في قدر جديدة على نار فحم فيما يغمرها من ماء العيون , ويوضع عليها في الماء ملح يسير وشبث رطب لا يابس , وتطبخ . فإذا نضجت لحومها نضجاً , فَأْمُر بإنزال القدر , وأْمُر بتنقية الشوك من لحومها , ثم أمر بسجق اللحوم مع زنتها من خبز مختمر من سميد , حتى يأتي الجميع شيئا واحدا , ثم يقرص ذلك, فإذا قرصتها فامسح يديك بدهن بلسان , وجفف الأقراص في الظل " ([32].

بعض ما روي عن خبرته وفراسته
ولابن زهر حكايات كثيرة في تأَتّيه لمعرفة الأمراض ومداواتها مما لم يسبقه أحد من الأطباء إلى مثل ذلك.
فمن ابتكارات أبي مروان , التي لم ترد في كتابه التيسير, ما رواه ابن أبي أصبيعة من أن الخلفية الموحدي عبد المؤمن " احتاج إلى شرب دواء مسهل , وكان يكره شرب الأدوية المسهلة , فتلطَّف له ( طبيبه  الخاص ) ابن زهر في ذلك , وأتى إلى كرمة في بستانه فجعل الماء الذي يسقيها به ماء قد أكسبه قوة أدوية مسهلة , بنقعها فيه أو بغليانها معه ! ولما تشرّبت الكرمة قوة الأدوية المسهلة التي أرادها, وطلع فيها العنب وله تلك القوة , أحمى الخلفية , ثم أتاه بعنقود منها , وأشار عليه أن يأكل منه . وكان ( الخليفة ) حسن الاعتقاد في ابن زهر . فلما أكل منه , وهو ينظر إليه ,قال :" يكفيك يا أمير المؤمنين , فإنك قد أكلت عشر حبات من العنب , وهي تخدمك عشر مجالس " . فاستخبره عن علة ذلك , وعرفه به , ثم قام على عدد ما ذكره له , ووجد  الراحة . فاستحسن منه فعله هذا وتزايدت منزلته عنده " ([33]) .
ويروى أنه كان في وقت مروره إلى دار أمير المؤمنين بإشبيلية, يجد في طريقه -عند حمام أبي الخير بالقرب من دار ابن مؤمل- مريضاً به سوء قتبه وقد كبر جوفه واصفر لونه، فكان أبداً يشكوا إليه حاله ويسأله النظر في أمره، فلما كان بعض الأيام سأله مثل ذلك، فوقف أبو مروان بن زهر عنده ونظر إليه فوجد عند رأسه إبريقاً عتيقاً يشرب منه الماء, فقال اكسر هذا الابريق فإنه سبب مرضك, فقال له لا باللّه يا سيدي فإني ما لي غيره, فأمر بعض خدمه بكسره فكسره, فظهر منه لما كُسر ضفدع وقد كبر مما له فيه من الزمان فقال له ابن زهر : خلصت يا هذا من المرض انظر ما كنت تشرب وبرأ الرجل بعد ذلك.
ويذكر أنه كان باشبيلية حكيم فاضل في صناعة الطب، يعرف بالفار، وله كتاب جيد في الأودية المفردة، سفران، وكان أبو مروان بن زهر كثيراً ما يأكل التين، ويميل إليه، وكان الطبيب المعروف بالفار لا يغتذي منه بشيء، وإن أخذ منه شيئاً فيكون واحدة في السنة، فكان يقول هذا لأبي مروان بن زهر" أنه لا بد أن تعرض لك نغلة صعبة بمداومتك أكل التين"، والنغلة هي الدبيلة بلغتهم، وكان أبو مروان يقول له: "لا بد لكثرة حميتك وكونك لم تأكل شيئاً من التين أن يصيبك الشناج "، قيل فلم يمت المعروف بالفار إلا بعلة التشنج، وكذلك أيضاً عرض لأبي مروان بن زهر دبيلة في جنبه، وتوفي بها وهذا من أبلغ ما يكون في تقدمة الإنذار، قيل ولما عرَض لأبي مروان هذه العلة كان يعالجها وصنع لها مراهم وأدوية، ولم تؤثّر نفعاً يعتد به، فكان يقول له ابنه أبو بكر: يا أبي لو غيرت هذا الدواء بالدواء الفلاني، ولو زدت من هذا الدواء، أو استعملت دواء كذا وكذا، فكان يقول له: يا بني إذا أراد اللّه تغيير هذه البنية فإنه لا يقدّر لي أن استعمل من الأدوية إلا ما يتم به مشيئته وإرادته‏.‏

أخلاقه الطبية
ومن أخلاق ابن زهر الطبية أنه كان –بالرغم من اعتداده بنفسه وبعلمه – متواضعاً لا يتردد في التراجع عن رأي له متى بدا له أن ثمة رأيٍ أفضل منه , وكذلك في الاعتراف بخطئه – إن أخطأ – مع التعبير عن بالغ الأسف والندم !
روى ابن أبي أصبيعة , في ترجمته للطبيب " أبي بكر محمد " ابن طبيبنا عبد الملك والمعروف بـ " الحفيد " , أنه – وقد كان طبيبا " صائب الرأي , حسن المعالجة , جيد التدبير " – سمح لنفسه , وهو في " حال شبيبته " , أن يشير على الخليفة عبد المؤمن بوجوب أن يبدل , بدواء مفرد كان أبوه أبو العلاء قد وصفه له , دواءً غيره قام هو بوصفه ! فلم يتناول عبد المؤمن هذا الدواء، فلما رآه الطبيب الأب قال : " يا أمير المؤمنين , إن الصواب في قوله ! " , وبدل الدواء , فوجد الخلفية نفعاً بيّناً ([34]) .
ولكنه يعترف بخطئه صراحةً, إذا ما أخطأ في تشخيص مرض، أو وصف دواء معبراً عن عميق ندمه وهو يستغفر الله من الغلط !
يقول , في " التيسير " : إن الأطباء يتكلمون بحسب إدارك عقولهم : " وتقف عقولنا فيما حجب عنها ! " . ثم يروي ما كان منه, وهو في أول اعتقاله بمراكش, "فقد شكت المرأة " ([35]) أمراضاً اقتضى الحال أن يصف لها أدوية, لم يكن لأحد قط أن يتخيل – مع شرب جزء يسير منها – أن الجنيين يبقى إن كانت المرأة حاملاً ، وقد تمادى في تجريعها الدواء دون أن يؤثّر فيها شيئا ... حتى تبين له أنها حامل ، يقول : " فندمت , واستغفرت الله من الغلط " ومع هذا – يقول – " ولد ذلك الجنيين سوياً بأذن الله , وها هو عندي ! " ([36]) .
الجانب الصيدلاني وأعمال اليد في حياته
على أنه كان , في ابن زهر , جانب " صيدلاني " إلى جوار " الطبي " , في تكوينه العلمي والعملي . يقول في ذلك – كالمعتذر- : "وأما أنا , فإن في نفسي مرضاً من أمراض النفوس , من حب أعمال الصيدلانيين , وتجربة الأدوية والتلطف في سلب بعض قوى الأدوية و تركيبها في غيرها , وتمييز الجواهر وتفصيلها , ومحاولة ذلك باليد . ومازلت مغرماً بذلك مبتلىً بحبه, فسلكت هذا المنهاج شهوةً فيه وإن كان على ما هو عليه من الامتهان !! " ([37]) .وهو يقول " الامتهان " ! لأنه تلقى , عن أبيه الطبيب أبي العلاء , أن على الطبيب أن يمتنع عن ممارسة ما يسميه " أعمال اليد " , تلك الأعمال التي – وإن كانت متعلقة باليد – جدير بها أن تُؤدَّى من قبل فئة أخرى من العاملين في المحال الطبي , هم " صناع اليد " (وبعضهم ممن نسميهم , في مصطلحنا الحديث , بالجراحين , وبعضهن بالمساعدين والممرضين والخدم ) .
وقد عاد ابن زهر , في موضع من " التيسير " , غير قليل من هذه الأعمال ... التي منها " الأغذية والأدوية " , فإن الطبيب – كما أخذ عن أبيه – يدبّر بالأغذية والأدوية أمر المريض , ولكنه " لا يتناول بيديه شيئا من ذلك , كما ليس من شأنه أن يعتمد المعاجن إلا في الضرورة "[38]  . ومن هنا يرى أبو مروان في " هوايته " هذه خروجاً عما رسم أبوه له, و الأطباء عامة ، ومع إقبال ابن زهر على تجربة الأدوية , على نحو ما " اعترف " لنا , فإن ذلك لم يعفه من اتهام  " لطيف يوجهه إليه , بعد ما يزيد على ثمانية قرون من الزمان , المستغرب الأسباني " سلفادور غوميث نوغالث " , الذي قال : " وكثيرا ما يقال أن ( عبد الملك ) كان طبيبا أرستقراطيا , أي أنه كان يكتفي بمعالجة المريض , ووصف الدواء , بدون أن يتنازل ويركب الدواء , أو يلوث يديه في الجراحة التي كان يعهد بها إلى مساعد له .

وفاة ابن زهر بمرض يسمى " االنغلة "
   قلنا أنه لم تُعرَف السنة التي ولد فيها عبد الملك بن زهر . إلا أن هناك من يقول أنه كان , يوم حضرته الوفاة , قد بلغ السبعين , وهناك من يرى أنه تجاوز التسعين . وكانت وفاته , مثل أبيه , بـ " النغلة " ,ذلك المرض المستعصي على البرء الذي كان قد أتى على وصفه في " التيسير " فقال والنغلات هي " أورام تكون تحت الكتف , غائرة إلى الداخل , تعرض في اليمين وفي الشمال  وإنما تعرض لمن أسن , وأكثر ما تكون إذا عرضت للإنسان أنكاد وكان يكثر الفكرة وتتوالى عليه الهموم .. " ([39]) .
ومما تحدثنا به إحدى الروايات أنه كان في إشبيلية ، أيام ابن زهر ، طبيب يعرف بـ " الفار " ، دأب على أن يداعب أبا مروان ، المكثر من أكل التين ، بقوله : " لا بد أن تعرض لك نغلة صعبة بمداومتك أكل التين ! " . وابن زهر يستجيب للدعابة بمثلها : " ولا بد ، لكثرة حميتك وكونك لم تأكل شيئـاً من التين ، أن يصيبك الشناج ! " .
.... وتقول الرواية : " فلم يمت المعروف بالفار إلا بعلة التشنج وكذلك أيضـاً عرض لأبي مروان بن زهر دبيلة في جنبه وتوفي بها ! وهذا من أبلغ ما يكون من تقدمة الإنذار " ! ([40] ...........ذُكرت هذه الرواية سابقاً.
وكان ابن زهر قد قال في النغلات : و " أما الحادثة ( منها ) عن خلط محترق ، فيكاد أن تكون لا برء لها , مثل هذه لا ينفع فيها عمل اليد ، ومتى نالها الحديد ([41]) تفاقم أمرها ، وهي تأكل ما يتصل بالموضع أكلاً "([42]) .
ويقول عن موت أبيه بها – ولم يكن حاضراً مرضه، لأنه كان في مراكش – أن النغلة أصابته " في الجانب الأيسر وامتدت طولاً نحو الشبر ، ثم عاد الموضع لا يحس ، وكان المتولي لعلاجه يقطع أجواف النغلة فلا يحس بذلك ، ولم يزل الأمر كذلك حتى وصل بالاتصال مضار ذلك إلى قلبه ، فعرض له سوء تنفس نحو يومين ، ومات رحمه الله "([43]).
ولمعرفته – طبيبـاً عالمـاً – بالأدواء ، ولكون أبيه قد قضى بهذه العلة نفسها ، التي – ها هي ذي – تداهمه هو أيضـاً ، ذلك ما جعله يستسلم لعجزه عن مداواتها ! ولقد كان يستمع ، بعد أن استفرغ جهده في معالجة نفسه بالمراهم والأدوية التي يعرف ، إلى ابنه ، الطبيب الشاعر " أبي بكر محمد " ، وهو يقترح عليه : " يا أبي ! لو غيرت هذا الدواء الفلاني ، ولو زدت من هذا الدواء ، واستعملت دواء كذا وكذا ! " ..وهو يصغي إلى ابنه ، ثم يقول : " يا بني ! إذا أراد الله تغيير هذه البنية ، فإنه لا يقدّر لي أن استكمل من الأدوية إلا ما تتم به مشيئته وإرادته ! " ([44]).
وتوفي ابن زهر سنة 557 هـ (1162 م) ، ودفن بإشبيلية خارج باب الفتح .

 ما يبقى من ابن زهر
 في " كتاب التيسير في المداواة والتدبير " ، رأينا ابن زهر وهو يتحدى " مخالفيه المتوقعين " ، في يومه ذاك وفي غده ، أن يحكموا " التجربة " في ما بينه وبينهم ... يقول :
" كل ما ذكرته في كتابي هذا وأثبته ، لا شك سيروم من يتعسف تزييفه بالكلام ! وأنا أحاكمهم – كنت حيـاً أو ميتـاً – إلى التجربة .." ! ([45]).
والتجربة ، في ما ابتكر عبد الملك بن زهر وجدد ، ظلت قائمة بعد وفاته رحمه الله ، كما ستبقى فيصل الحكم في كل ما يقبل التجريب من العلوم . وكان لا بد للتجربة أن تؤكد صحة الصحيح الذي جاء به ، مثلما تبين خطأ ما عداه .
ومع تقدم العلوم الطبية والمعارف الإنسانية ، في المئة السنة الأخيرة ، فإن كثيراً من المسلمات عند الأقدمين قد تبدد وذهب أدراج الرياح في ظل الوثبات الكبرى في الطب ، وفي العلم ، وفي سائر مناحي الحياة .
فكم ذا بقي من طب ابن زهر ، تحت وطأة التجريب ، وكم ذهب ؟
إلا أن عظمة ابن زهر تقاس بموازين عصره ومعاييره ، لا بموازين أيامنا ومعاييرها . ولقد كان ، في عصره ، بكلمة واحدة ، طبيبـاً فذاً ، في علمه ، وفي تجريبه وابتكاره ، وفي أخلاقه الطبية أيضـاً ، وفي ما كتب مخلداً ومخلداً .


الخلاصة
  يعد أبو مروان عبد الملك بن أبي العلاء زهر بن أبي مروان عبد الملك بن محمد ابن زهر الإيادي الإشبيلي ألمع أطباء عصره دون منازع,فهو واسطة العقد في أسرة أندلسية توارثت أبـاً عن جد علم الطب وحملت لواءه في الغرب الإسلامي من القرن الخامس إلى السابع الهجري .
يُذكر أحياناً في المصادر التاريخية باسم "الابن", حيث أن جده هو أبو مروان عبد الملك بن أبي بكر بن زهر, وأبوه هو أبو العلاء زهر بن أبي مروان بن زهر , وقد خلّف ابناً يكنى بالحفيد هو أبو بكر محمد بن أبي مروان بن زهر الذي ورث عن أبيه علوم الطب.
لم تعرف سنة مولده بدقة ولكن يعتقد أنها بين( 484هـ - 487 هـ) .
أخذ علومه عن أبيه أبي العلاء  وعن مشايخه, أبو محمد عبد الرحمن بن محمد ابن  عتاب,و الأديب البصري اللامع أبو محمد القاسم بن علي الحريري.
ومن أبرز تلاميذ أبي مروان ابنه أبو بكر الحفيد ، وأبي الحكم عبيد الله بن غلنده . وعلي ابن أسدون الشهير بالمصدوم ، وأبو بكر الزهري .
وما يميز أسرة ابن زهر أنهم لم يؤلفوا في غير الطب على الرغم من سعة علومهم,إلا الحفيد الذي اشتغل أيضاً إلى جانب علم الطب,بالفلسفة, والرياضيات, والفقه ,والأدب,إضافة لكونه شاعراً رقيقاً اشتهربنظم الموشحات.
وإنما حقق أبو مروان هذا التفوق في الطب لثلاثة أسباب رئيسية :
4-        انقطاعه إلى الطب دون غيره من العلوم .
5-        تجرده من قيود التقليد التي تمسك بها سواه من أطباء عصره .
6-        اعتماده على دقة الدراسة السريرية في تشخيص الأمراض ومداواتها .
ورغم الظروف القاسية والمحن التي تعرّض لها في حياته لم يتوقف ابن زهر عن العطاء يوماً ,حتى في الأيام التي قضاها في الأسر, فقد كانت الحاجة إلى علمه ملحة , حتى من قبل معتقليه .
ألّف ابن زهر العديد من الكتب الطبية وهي:
كتاب الاقتصاد في إصلاح الأنفس والأجساد
كتاب التيسير في المداواة والتدبير
كتاب الأغذية
كتاب الزينة
تذكرة في أمر الدواء المسهل
مقالة في علل الكلى"
رسالة في علتي البرص والبهق
تذكرة في علاج الأمراض
ويتربع كتاب التيسير على عرش هذه المؤلفات, ومما يدل على أهمية هذا الكتاب أنه لم يكد صاحبه ينتهي منه, حتى كثر نساخه وتُرجم إلى العبرية ومنها إلى اللاتينية أكثر من مرة , ثم نُقل من الأصل العربي إلى اللاتينية , فكان له أثر عميق في تطور الطب في القرون الوسطى في الغرب . ويكفي للدلالة على مكانة هذا المؤلَّف العلمية أن ترجمته اللاتينية بقيت أحد الكتب التي تدرس في جامعات أوروبة مثل جامعتي لوفان ومونبيليه حتى القرن الثامن عشر
صنف ابن زهر , كتابه النفيس هذا , في أوائل عهد الخليفة الموحدي عبد المؤمن بن علي , وهو يتألف من سفرين وملحق بهما يسمى الجامع, وقد جمع في هذا الكتاب خلاصة علمه وتجاربه ,وقد فرغ من تأليفه قبيل وفاته بسنوات معدودات
وإذا تأملنا فيما أضافه ابن زهر للعلم والحضارة الإنسانية نجد أن أبا مروان  عمل كأبيه على إبراز قيمة التجربة  فقادته ملاحظاته إلى بث آراء جديدة ، فقد وصف الأورام التي تحدث في الغشاء الذي يقسم الصدر طولاً du mediastin Tumeur  وهو أول من أشار إلى أورام غشاء القلب Labces du pericarde  ومن المسائل العامة التي بحثها سحج الأمعاء ، وما يحدث في المري من خدر، وهو أول من أشار بحقن الغذاء عن طريق الشرج أو الحلق (التغذية الصناعية)، ولاحظ ما تسببه المستنقعات والمياه الراكدة من آفات ، ومما يستحق الذكر بحثه في علة الجرب حيث وصف الصؤاب الذي ينقله طفيلي الجرب(Sarcoptes scabiei ).
توفي ابن زهر سنة 557 هـ (1162 م) ، ودفن بإشبيلية خارج باب الفتح .
وهكذا نجد أن أبا مروان ابن زهر قد تبوّأ في تاريخ الطب العربي مكانة سامية تجعله في مصاف أقطاب هذه العلم في عصره ومن بناة عصر النهضة .
















الفهرس
العنوان                                                                                                       رقم الصفحة
مقدمة .......................................................................................................      1

بنو زهر  .......................................................................................................      2

البيئة السياسية في تلك الحقبة من الزمن  ...........................................................       3

ابن زهر ...................................................................................................       5
تلاميذ ابن زهر   ............................................................................................        6
ما قيل في ابن زهر..........................................................................................        7
أسباب تميّز ابن زهر و منهجه العلمي والأدبي .....................................................        8
صحة اعتقاد وإيمان ابن زهر  ........................................................................        9
اعتقال ابن زهر   ............................................................................................        10

مؤلفات ابن زهر و آثاره ...................................................................................       14

كتاب التيسير في المداواة والتدبير وأهميته  .........................................................       15

علم ابن زهر وتجربته .......................................................................................      20

بعض ما روي عن خبرته وفراسته  ......................................................................      26
أخلاقه الطبية  ..................................................................................................      27
الجانب الصيدلاني وأعمال اليد في حياته  ..............................................................      28
وفاة ابن زهر بمرض يسمى " االنغلة "  ...............................................................       29
ما يبقى من ابن زهر   ........................................................................................       31
الخلاصة  ........................................................................................................        33





* Chairman, History of Medicine Department, Institute for the History of Arabic Science, Aleppo University, Aleppo-Syria
The President of ISHIM (www.ishim.net)
P.O. Box: 7581, Aleppo, Syria
Phone 963 944 300030, Fax 963 21 2236526


** Master stage student, Institute for the History of Arabic Science, Aleppo University

* أستاذ ورئيس قسم تاريخ الطب -  معهد التراث العلمي العربي – جامعة حلب. رئيس الجمعية الدولية لتاريخ الطب الإسلامي. دكتوراه في تاريخ الطب العربي الإسلامي – طبيب اختصاصي في جراحة العظام.
هاتف 300030 944 963 ، بريد إلكتروني: a.kaadan@scs-net.org
** طالب ماجستير في معهد التراث العلمي العربي – جامعة حلب.
(([1] عيون الأنباء ، 3 : 109 .
[2]" التيسير ص .248 .
([3]) التيسير في المداواة والتدبير ، ص38 .
([4]) المصدر نفسه ، ص190 .
[5]" " التيسير " : 201 .
[6]" في أسبابه اعتقاله , الغامضة , نتساءل : ترى هل مال عبد الملك وأبوه زهر , إلى دعوة الموحدين التي بدأ انتشارها سنة 515 هـ , قبل أن يستفحل أمرها فتقوض أركان الدولة؟ , فنقم عليهما السلطان المرابطي علي بن يوسف , فنكب الأب في قرطبة وساق الابن إلى سجن مراكش ؟ ذلك أن عبد الملك نال , بعد أن رفرفت رايات الموحدين في سماء الأندلس , منزلة كبرى عند خليفتهم " عبد المؤمن " حتى انه غدا طبيبه الخاص !
 فإن من الأسباب الملحوظة , أيضاً ,لمنزلته وحده جدير بأن يغدو طبيب الخليفة الخاص . وان مما يزيد في عطف زعيم الدولة الجديدة على أبي مروان أنه كان قد نكب هو وأبوه , في العهد " البائد " في الحرية الشخصية وفي المال !     
([7]) التيسير ، ص 233.
([8]) البيان المغرب ، 4 : 106 .
([9]) " التيسير " :430.ذلك في أثناء الحروب الأهلية الطاحنة التي دارت بين المهيين ( الموحدين ) وبين دولة المرابطين , وما  رافقها من مجاعات .
([10]) التيسير ، ص106 .
([11]) بقصد الأمير عليا بن يوسف !
([12]) " التيسير " : 277 .

([13]) " كتاب المجلس " : مقالات وبحوث متفرقة .
ويلاحظ أن ابن أبي أصيبعة ذكر في " طبقاته " ، لدى ترجمته لابن زهر ، أنه ألف للخليفة عبد المؤمن " الترياق السبعيني ، واختصره عشاريــاً واختصره سباعيـاً ، ويعرف بترياق الانتلة " ( 2 : 66 ) ، ومع ذلك لم يذكر هذا الكتاب بين ما عدد من كتبه ... فهل هو أحد الكتب التي ذكر وقد اختلفت فيه التسمية ؟
([14]) التيسير ص .282 .
  ([15]) التيسير ص .385 .
[16]"  التيسير ص . 484 .
[17]   وردت في كتاب "الطب والأطباء في الأندلس الإسلامية"  لـِ محمد العربي الخطابي فقط
[18]"  يقول ابن زهر : " محمد الحمد لله الذي كل ما تقع الحواس عليه يشهد له بـ ( الوحدانية ) والقدرة , وصلى الله على محمد المرتضى , ورضي عن أصحابه أعلام الدين ومصابيح ( المهديين ) ... " ,        " التيسير " : ص 7 .
[19]"  ليس صحيحا ما ظل يردده المؤرخون والباحثون طوال ثمانية قرون ونيف , من أن ابن زهر قد ألف كتابه هذا بطلب من معاصره ابن رشد , وأن هذا الأخير عندما ألف " كتاب " الكليات " , في الأمور الكلية في الطب , " قصد من ابن زهر أن يؤلف كتابً في الأمور الجزئية لتكون جملة كتابيهما ككتب كامل في صناعة الطب " .. تلك " الغلطة التاريخية " التي وقع فيها ابن أبي أصبيعة ( 596-668 هـ) في كتابه " عيون الأنباء في طبقات الأطباء " , ثم تناقلها , دون تمحيص , كل من كتب عن ابن زهر و عن كتابه الشهير هذا.......... (الطبيب الأندلسي عبد الملك بن زهر من خلال كتابه التيسير,فاضل السباعي,المؤتمر التاسع لتاريخ العلوم عند العرب)
 . 
([20]) " التيسير" : 486 و 487 .
([21]) خاصة عند تجبير كسر العظام , فإن كان العليل " خواراً ضعيف النفس ولا شجاعة له (...) فلابد أن تستعين على ذلك بخدمة حذّاق لهم جلد وقوة يغلبون عليه عندما يجد الألم , فلا تمكنه حركة كيلا يفسد عليك عملك ! " ," التيسير " : 317 .
([22]) " التيسير " : 57 .
[23]" " التيسير " : 276و277 .
([24]) " التيسير " : 226و230 .
ثم يحدثنا , ابن زهر , عما عاينه هو نفسه من أعراض هذا المرض , يوم كان مطاردا من قبل السلطة    ( ذلك أنه اعتقل مدة) ...يقول "فلما أردت  النوم وجدت حس الوجع في القسم المذكر مستطيلا, فلم أنزل من مضجعي إلا والأمر تفاقم , والسعال قد ألح ألحاحا كثيرا, ووجدت نبضي صلبا شديد الصلابة . وفي خلال ذلك التهبت بي حمى حادة , فوجهت عند الفاصد , وفصدت نحو العشاء الآخر واستفرغت من الدم نحو رطل , وبقيت ليلتي تلك في جهد شديد من الحمى والسعال ... " " التيسير " :233 .  
([25]) يأخذ ابن زهر , كذلك الأطباء العرب والمسلمون , بنظرية الأخلاط , تلك التي سادت عالم الطب منذ أيام الإغريق حتى العصور المتأخرة .
وقد رأى الأولون أن بدن الإنسان وغيره يتألف من "عناصر " أولية ( أو أركان ) , اثنان منها خفيفان : النار والهواء , واثنان ثقيلان : الماء والتراب . وتقابل كلا من هذه العناصر , خاصة أو قوة : فالنار الحرارة , وللهواء اليبوسة , وللماء الرطوبة , والتراب البرودة , ومن تفاعل هذه القوى بعضها ببعض يحدث – كما يقول ابن سينا – " المزاج " , وتختلف الأمزجة حسب الطبائع الذاتية وحسب أو وظائف العضوية .
وأما الخلط ( 3 أخلاط ) , فهو " جسم سيال " يستحيل إليه الغذاء أولا , فمنه خلط محمود , وهو الذي من شانه أن يصير جزءا من جوهر المغتذي ... ومنه فضل وخلط رديء , وهو الذي من شأنه ذلك , ويكون حقه أن يدفع عن البدن وبنفض " .
" القانون في الطب " لابن سينا , ص 1:13.وانظر كذلك :د.أحمد عروة: " الوقاية في الطب وحفظ الصحة لابن سينا " , ص10-13 , مطبوعات مجمع اللغة العربية بدمشق 1407 هـ /1986. 
([26]) " التيسير " : 148-150.
وفي استقصاء ابن زهر ودقته العملية يشير, خلل حديثه هذا, إلى أن الأطباء كانوا قد قالوا أن  جالينوس لم يذكر هذا العلاج " , ويضيف : أنهم لم يصبوا في قولهم ، فان جالينوس قال :" فكثيرا ما يقطع الثرب وتشق القصبة " ! وقد عنى ابن زهر بـ " الثرب " هنا : شحم العنق الذي يلي قصبة الرئة , وأما عن  " القصبة " فقد قال : " جرت عادة القدماء بأن لا يسموا القصبة بإطلاق إلا قصبة الرئة " , " التيسير " :149 .
([27]) " التيسير " :364 .
ولكن الدكتور ميشيل الخوري , محقق الكتاب , يبين , في مقال له سابق على تحقيقه " التيسير " , أن ما يقوله هؤلاء الباحثون يتفق مع ما جاء في معجم دورلند الطبي الأمريكي ( طبعة 1965) من أن ابن زهر " وصف صؤابة الجرب " , ومع ما ورد في دائرة المعرف البريطانية (1965) من أن ابن زهر       " كان أول من وصف الجرب والصؤابة المسببة له ". إلا أن آخرين – يتابع الدكتور الخوري – قالوا أن " ابن زهر, بوصفه صؤابة الجرب , كان أول عالم في الطفيليات بعد " الاسكندر الترالي " البيزنطي , الذي كان من أهل النصف الثاني من القرن السادس الميلادي ". ويضيف أنه " يتضح من احدى الدراسات الحديثة أن أحمد الطبري الفارسي , وهو من أهل النصف الثاني من القرن الميلادي (!) كان قد سبق ابن زهر إلى وصف صؤابة الجرب في كتابه " المعالجة البقراطية ".  
([28]) الزعر : قلة الشعر . والزعر : القليل الشعر والمتفرقة : كالأزعر , وهي زعراء ج. زعر.
[29]" الفلاحون .
([30]) يابسة .
[31]" " التيسير " : 429 .
[32]" ويلاحظ , في النص ,مدى ترفع ابن زهر عن أن يرضى للطبيب أن يعمل بيديه في تحضير هذا الغذاء الدوائي ! انه ليخاطبه : " بقطع رؤوس الأفاعي " يضرب " السكين , " تسلخ "         " وأمر " بإزالة شحومها ... يطلب منك بصفته أستاذ لك , أن " تأمر " مساعديك بالعمل , مستخدما في ذلك , بعد فعل الأمر , المضارع المبني للمجهول ! 
([33]) " طبقات الأطباء " , 2 :66 .
[34]" " طبقات الأطباء " , 68:2 .
([35]) يعني : خليلته .
[36]" " التيسير" : 285.
ثم أن ابن زهر يستشهد , بعد هذه الواقعة , بحالة ذكرها جاليونس , انخرق فيها غشاء الدماغ :            " والمعلوم المعهود أن من انخراق ذلك منه يموت على الفور . فلما رأى جالينوس رجلا اتخرق ذلك منه وأفاق , قال : " فأحياه الله " ! يقول ابن زهر غير كاتم إعجابه : " وما أبدع قول جالينوس ! " , ثم يضيف : " وكذلك الرجل العاقل من الأطباء والفلاسفة يستريب بنظره ويقف , ويسند علم ما لا تنتهي عقول البشر إليه من ذلك , إلى الله سبحانه ". , " التيسير " 285و286 . 
[37]" " التيسير " : 320.
.
[38] " التيسير " : 318و319
[39]" " التيسير " :381و382 .
وقد وردت ترجمة الكلمة إلى الفرنسية , في " جدول المصطلحات الطبية الواردة في الكتاب " Pyodermie gangreneuse . وذلك يعني في المصطلح الطبية العربي الحديث : تقيح غنغريني         ( أو أكالي ) .
([40]) " طبقات الأطباء " ، 2 : 67 . و " الدبيلة " هي النغلة بلغة أهل المغرب .
([41]) يعني : الجراحة .
([42]) " التيسير " : 382 .
([43]) " التيسير " : 382 .
([44]) " طبقات الأطباء " . 2 : 67 .
([45]) " التيسير " : 326 .

No comments:

Post a Comment